مصر وإیران فونان فاعلتان بأكثر مناطق العالم حساسية وتوترا: ليس لأنهما متمتعان بموقع استراتيجي يمتاز بالدينامية والتأثير، أو لأنهما الخزان الديمغرافي الأكبر بالمنطقة. بل لأنهما مركزا الهيئة الإقليمية والقوة الشاملة التي تجعل لتقاربهما أو تباعدهما تأثير تلقائي على خارطة التفاعلات الجيوسياسية كافة. غير أن العلاقة بينهما ظلت تمثل نموذجا بارزا لديناميات التفاعل الإقليمي غير المستقر. قابعة في معظم تاريخها داخل دائرة التنافس أكثر من كونها داخل دائرة التعاون: إما بحكم التجاذبات القطبية والتوازنات الإقليمية التي فرضتها البيئة الدولية. أو بدافع التحولات الداخلية التي أثرت على ورؤية كل منهما للآخر انطلاقا من إدراك كل منهما لمكانته الاستراتيجية وتموضعه الإقليمي ومصالحه الوطنية.
وكم كان للتحولات الداخلية بالبلدين وقع كبير على العلاقة بينهما. بارز على تفاعلاتهما الإقليمية. فقد شهدت مصر ثورة 1952م. المد القومي العربي، وتبنت حركات التحرر الوطني. وناهضت تعمار وقطعت علاقاتها بایران انطلاقا من كونها المحرك الأيديولوجي والديمغرافي والعسكري لجميع مراحل الصراع مع إسرائيل. كما شهدت إيران ثورة 1979م. وقادت المد الإسلامي الشيعي، وتنادت نصرة المستضعفين ودعم الجماعات الأصولية وقطعت علاقاتها بمصر انطلاقا من تصورها أنها المحرك الأيديولوجي البديل للصدام مع إسرائيل. ولهذا ظلت القوى العربية تنظر إليهما على أنهما بمثابة القنبلة التي جب نزع فتيلها بوضع كل منهما وسط جملة من المتناقضات التي تضمن افتراقهما وتبرز استمرار القطيعة بينهما.
ومع أن هذه القطيعة لم تكن مجرد تعبير رمزي عن كبرياء أو مشاعر وطنية حركة قدر استنادها إلى حسابات مدروسة بعناية. إلا أن الاتصالات الجارية بينهما اليوم في ظل المتغيرات الدولية والترتيبات الإقليمية القائمة تعد ذات قيمة مختلفة، لأنها ربما تفضي لاستئناف العلاقات بينما خاصة إذا تمتعا بالحرص المتبادل على فض أي تقاطع محتمل بينهما. بشأن سياسات الطاقة ومكافحة الإرهاب والأمن الإقليمي، وحل القضية الفلسطينية دون الإضرار بعلاقات مصر الاستراتيجية. واستجلاء مجاور تلاقي المصالح الاقتصادية المشتركة. القارئ الكريم إن الكتاب الذي بين يديك وضعه أكاديمي الفرد بدراسة العلاقات المصرية الإيرانية وتحليل جوانبها المختلفة لأكثر من ربع قرن.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.